وادي عبقر هو احد أساطير العرب قبل الإسلام , حيث كان العرب يطلقون على كل من جاء بعلمٍ جديد بـكلمة "عبقري" أي ينسبونه الى هذا الوادي العجيب
موقعه :-
تباينت الروايات حول الموقع الصحيح لهذا الوادي حيث قيل انه يقع قرب جبل عبقر في اليمن
وسبب تسميته بعبقر نسباً الى احدى القبائل الحجازية التي كانت تسكن ذلك الجبل
ويُقال أيضا اني هذا الجبل سُمي نسباً الى أحد زعماء قبائل الجن لان الجن تُحب ان تسكن المناطق البعيدة عن البشر والمناطق الغير مأهولة بالسكان
علاقة وادي عبقر بـ الشعر الجاهلي
يُقال قديماً ان هذا الوادي سكنه شعراء الجن , بحيث ان كل من يذهب الى هذا الوادي يخرج شاعراً او شاعرة !
وتناقلت الأساطير عن أقران شعراء العصر الجاهلي من الجن منهم
لافظ بن لاحظ قرين امرؤ القيس
هبيد بن الصلادم قرين عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم الأسدي
هاذر بن ماهر قرين النابغة الذبياني
مدرك بن واغم قرين الكميت بن زيد.
مسحل السكران بن جندل قرين الأعشى
جالد بن ظل قرين عنترة بن شداد
السفاح بن الرقراق قرين الحارث بن مضاض
والعديد من الشعراء والأقران أيضا
ونقل لنا التأريخ بعضاً من قصص هذا الوادي
يقال أن أناساً خرجوا في سفر ومعهم دليل، أي رجل صاحب دلالة في الصحراء، اسمه ابن سهم الخشب وضل الدليل الطريق فقال لمن معه: " باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، قِفوا! نحن على حافة وادي عبقر! " وأشار إلى بطن الوادي، نحو كثبان رمل مقمرة وناعمة، وإذا بكائن، على هيئة إنسان، يسوق ظليما " ذكر نعام " مربوطاً من خطمه بحبلة من الكتّان. كان مُقبلاً من عمق الوادي، فاستوحشنا منه، وحتى الإبل بدأت ترغي وتتراجع بنا إلى الوراء. ومرق قريباً منا. كان أطول من الناقة، ورأينا ظهره عارياً، وفيه نمش أخضر، مثل طحالب تتشعّب على سطح ماء آسن، فارتعبنا. وقف بعيداً عنا، وتلفّت نحونا، وحدّق فينا مدة جعلت فرائصنا تنتفض،ثمَّ قال للدليل: " يا ابن سهم الخشب: من أشعر العرب؟ " كان الدليل خائفاً فلم يُجب. فأكمل: أشعرهم من قال:
وما ذرفتْ عيناكِ إلاّ لتضربي بعينيكِ في أعشارِ قلبِ مقتـلِ
فعرفنا أنّه يقصد امرؤ القيس. فقال الدليل: " باللات والعزى ومناة الثالثة الأُخرى، مَنْ أنت؟ "، ورجع إلى الوراء حتى كاد يقع. فقال: " أنا لافظ بن لاحظ، من كبار الجنِّ، لولاي لما قال صاحبكم الشعر! " ومضى، مقهقهاً. وقف دليل القافلة مذهولاً، وحدّق فيه حتى اختفى. قُلنا له: "فما تقول في هذا؟"، فقال: " هذا لافظ بن لاحظ، شيطان امرئ القيس الذي يُملي عليه الشعر.
قال: قال مظعون بن مظعون الأعرابي: اني ليلة من ذلك لبفناء خيمة لي إذ ورد علي رجل من أهل الشام، فسلم ثم قال: هل من مبيت؟ فقلت: انزل بالرحب والسعة! قال: فنزل، فعقل بعيره ثم أتيته بعشاء فتعشينا جميعاً، ثم صف قدميه يصلي حتى ذهبت هدأة من الليل، وأنا وابناي أرويهما شعر النابغة إذ انفتل من صلاته ثم أقبل بوجهه الي فقال: ذكرتني بهذا الشعر أمرا أحدثك به، أصابني في طريقي هذا منذ ثلاث ليال. فأمرت ابني فأنصتا ثم قلت له: قل، فقال: بينما أنا أسير في طريقي ببقعة من الأرض لا أنيس بها إذ رفعت لي نار فدفعت إليها فاذا بخيمة واذا بفنائها شيخ كبير،ومعه صبية صغار، فسلمت ثم أنخت راحلتي آنسا به تلك الساعة،فقلت: هل من مبيت؟ قال: نعم في الرحب والسعة! ثم ألقى ألي طنفسة رحل، فقعدت عليها، ثم قال: ممن الرجل؟ فقلت: حميري شامي، قال: نعم أهل الشرف القديم. ثم تحدثنا طويلا إلى أن قلت: أتروي من أشعار العرب شيئا؟ قال: نعم، سل عن أيها شئت! قلت: فأنشدني للنابغة! قال: أتحب أن أنشدك من شعري أنا؟ قلت: نعم! فاندفع ينشد لامرئ القيس والنابغة وعبيد ثم اندفع ينشد للأعشى، فقلت: لقد سمعت بهذا الشعر منذ زمان طويل. قال للأعشى؟ قلت: نعم! قال: فأنا صاحبه. قلت: فما اسمك؟ قال: مسحل السكران بن جندل، فعرفت أنه من الجن فبت ليلة الله بها عليم، ثم قلت له: من أشعر العرب؟ قال: ارو قول لافظ بن لاحظ وهياب وهبيد و هاذر بن ماهر . قلت: هذه أسماء لا أعرفها. قال: أجل!
أما لافظ فصاحب امرئ القيس،
وأما هبيد فصاحب عبيد بن الأبرص وبشر،
وأما هاذر فصاحب زياد الذبياني، وهو الذي استنبغه.
ثم أسفر لي الصبح، فمضيت وتركته.
وذكر مطرف الكناني عن ابن دأب قال : حدثني رجل من أهل زرود ثقة عن أبيه عن جده قال: خرجت على فحل كأنه فدن يمر بي يسبق الريح حتى دفعت إلى خيمة واذا بفنائها شيخ كبير،فسلمت فلم يرد علي، فقال: من أين وإلى أين؟ فاستحمقته إذ بخل برد السلام، وأسرع إلى السؤال، فقلت: من ههنا، وأشرت إلى خلفي، وإلى ههنا، وأشرت إلى أمامي، فقال: أما من ههنا فنعم؛ وأما لى ههنا، فوالله ما أراك تبهج بذلك، إلا أن يسهل عليك مدارة من ترد عليه! قلت: وكيف ذلك أيها الشيخ؟ قال: لأن الشكل غير شكلك، والزي غير زيك، فضرب قلبي أنه من الجن، وقلت: أتروي من أشعار العرب شيئا؟ قال: نعم! قلت: فأنشدني، (كالمستهزئ به)؛ فأنشدني قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فلما فرغ: قلت: لو أنّ امرئ القيس ينشر لردعك عن هذا الكلام! فقال: ماذا تقول؟ قلت: هذا لامرئ القيس، قال لست أول من كُفّر نعمة أسداها! قلت: ألا تستحي أيّها الشّيخ، ألمثل امرئ القيس يقال هذا؟ قال: أنا والله منحته ما أعجبك منه! قلت: فما اسمك؟ قال: لافظ بن لاحظ فقلت: اسمان منكران. قال: أجل! فاستحمقت نفسي له بعدما استحمقته لها، وأنست به لطول محاورتي اياه؛ وقد عرفت أنه من الجن، فقلت له: من أشعر العرب؟ فقال: هاذر حيث يقول: ذهب ابن حجر بالقريض وقوله ولقد أجاد فمـا يعـاب زيـاد قلت: من هاذر؟ قال صاحب زياد الذبياني، وهو أشعر الجن وأبخلهم بشعره، فالعجب منه كيف أودع لأخي ذبيان به، ولقد علم ابنة لي قصيدة لهثم صرخ بها: أخرجي وانشدينا.. فأنشأت تقول:
نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بهـا حزيـن
قال: لو كان رأي قوم نوح فيه كرأي هاذر ما أصابهم الغرق! فحفظت البيتين ثم نهض بي الفحل، فعدت إلى اهلي.
العلاء بن ميمون الآمدي عن أبيه قال : خرجت أنا ورجل من قريش في ليل نطلب ناقة لي إذ أشرفنا على هوة، واذا بشيخ مستند إلى شجرة عظيمة، فلما رآنا تحشحش، وأناف الينا، ففزعنا منه، ثم دنونا منه، وقلنا: السلام عليك أيها الشيخ! قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فأنسنا به، فقال: ما خطبكما؟ فأخبرناه. فضحك وقال: ما وطئ هذا الموضع أحد من ولد آدم قط، فمن أنتما؟ قلنا: من العرب! قال: بأبي وأمي العرب؛ فمن أيها؟ قلت: أما أنا فرجل من خزاعة، وأما صاحبي فمن قريش . قال: بأبي قريش وأحمدها! ثم قال: يا أخا خزاعة هل تدري من القائل:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس، ولم يسمـر ب مكة سامـر
بلى! نحن كنـا أهلهـا، فأبادن صروف الليالي والجدود العواثـر؟
قلت: نعم! ذلك الحارث بن مضاض الجرهمي . قال: ذلك مؤديها، وأنا قائلها في الحرب التي كانت بينكم، معشر خزاعة، وبين جرهم . يا أخا قريش! أولد عبد المطلب بن هاشم؟ قلت: أين يذهب بك، رحمك الله! فربا وعظم وقال: أرى زمانا قد تقار ابانه، أفولد ابنه عبد الله؟ قلنا: وأين يذهب بك؟ انك لتسألنا مسألة من كان في الموتى. قال: فتزايد ثم قال: فابنه محمد الهادي؟ قلت: هيهات! مات رسول الله، منذ أربعين سنة! قال: فشهق حتى ظننا أن نفسه قد خرجت، وانخفض حتى صار كالفرخ، وأنشأ يقول:
ولرب راج حيل دون رجائه ومؤمل ذهبت بـه الآمـال
ثم جعل ينوح ويبكي حتى بل دمعه لحيته، فبكينا لبكائه، ثم قال: ويحكما! فمن ولي الأمر بعده؟ قلنا: أبو بكر الصديق، وهو رجل من خير أصحابه، قال: ثم من؟ قلنا: عمر بن الخطاب، قال: أفمن قومه؟ قلنا: نعم. قال: أما ان العرب لا تزال بخير ما فعلت ذلك. قلنا: أيها الشيخ قد سألتنا فأخبرناك، فأخبرنا من أنت وما شأنك؟ فقال: أنا السفاح بن الرقراق الجني لم أزل مؤمنا بالله وبرسله مصدقا، وكنت أعرف التوراة والانجيل، وكنت أرجو أن أرى محمدا،فلما تفرقت الجن وأطلقت الطوالق المقيدة من وقت سليمان،، اختبأت نفسي في هذه الجزيرة لعبادة الله وتوحيده وانتظار نبيه محمد،وآليت على نفسي أن لا أبرح ههنا حتى أسمع بخروجه، ولقد تقاصرت أعمار الآدميين،وأنما صرت فيها منذ أربعمائة سنة، وعبد مناف إذ ذاك غلام يفعة ما ظننت أنه ولد له ولد، وذلك أنا نجد علم الأحداث ولا يعلم الآجال الا الله والخير بيده، وأما أنتما أيها الرجلان فأمضيا وأقرئا محمد مني السلام، فاني طامع بجوار قبره. فمضينا وفعلنا ما أمرنا به.
وقد وضف الشعراء العرب هذه الأسطورة كثيراً في شعرهم
ننقل اليكم ما جاء به أمير الشعراء (احمد شوقي) عن مسرحيته مجنون ليلي .
في وصف وادي عبقر
هذا الأصيلُ كالذهبْ
يسيلُ بالمرْأى عَجَبْ
على الوِهادِ والكُثُبْ
في وصف سكان وادي عبقر
تلكَ من الجِنِّ لَعَمْرِي شِرْذِمَهْ وهذهِ خَيْلُهُمُ المُسَوَّمَهْ
نَعامَةٌ كالفَرَسِ المُطْهَمَهْ وَأَرْنَبٌ مُسْرَجَةٌ ومُلْجَمَهْ
وقُنْفُذٌ وظَبْيَةٌ وشَيْهَمَهْ
يا عَجَبًا كُلَّ العَجَبْ الجنُّ مِنِّي عَنْ كَثَبْ
سُودٌ دِقاقٌ في العُيونِ كالدُّخانِ في الحَطَبْ
يَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِها ومِنْ عُيونِها اللَّهَبْ
مِنْ كُلِّ مَنْ جالَ بِقَرْنَيْهِ وَصالَ بِالذَّنَبْ
موقف الجن من بني آدم
أجلْ بِعَداوَةِ البَشَرِ ابْتُلِينا وَطالَ بها التَّبَرُّمُ والعَناءُ
مَضى بِالكِبْرِ إِبْلِيسٌ أَبُونا وَكُلُّ تُراثِ آدَمَ كِبْرِياءُ
يَعيبُ رِجالُهُمْ، فَيُقالُ عِبْنا وتَدْفِنُ عارَها فِينا النِّساءُ
وَإِنْ عَجَزَ المُطَبِّبُ قالَ داءٌ مِنَ الجِنِّيِّ لَيْسَ لَهُ دَواءٌ
وَإِنْ قَفَزَتْ صِغارُهُمُ فَزَلَّتْ فَمِنَّا مَعْشَرَ الجِنِّ البَلاءُ
وَخِفْنا مِنْ أَذاهُمْ فَاحْتَجَبْنا فَما عَصَمَ الحِجابُ ولا الخَفاءُ
وَكَمْ مُتَعَوِّذٍ باللهِ مِنَّا تَعوذُ الأرضُ مِنْهُ والسَّماءُ
وما جاء به الشاعر شفيق معلوف في ديوانه عبقر
في وصف وادي عبقر
وانطلقَ الشَّيطانُ في الجوِّ بي كأنَّه النَّيْزَكُ أو أَسْرَعُ
مَكَّنْتُ من فِقارِهِ قَبْضَتي مُنْدَفِعًا أَصْنَعُ ما يَصْنَعُ
حتى تَهاوَى بي إلى مَوْضِعٍ ما راقَني مِنْ قَبْلِهِ مَوْضِعُ
غَمائِمٌ زُرْقٌ على مَتْنِها مَنازِلٌ جُدرانُها تَسْطَعُ
في وصف سكان وادي عبقر
طَوَّفْتُ بالأَبْراجِ مُسْتَقْصِيًا غَوْرَ مَهاويها السَّحِيقاتِ
فيا لأبراجٍ ضِخامِ البِنا مِلْءَ الثَّرى مِلْءَ السَّمَواتِ
يَدْرُجُ كالنملِ عَفاريتُها مِنْ قَلْبِ مَهْواةٍ لمهْواةِ
أَقزامُ جِنٍّ في سُفوحِ الرُّبى جَيَّشَهُمْ طاغِيَةٌ عاتِ
إنْ أَزْمَعوا الزَّحْفَ تَراهمْ عَلَوْا أَغْرَبَ أَصْنافِ المطِيَّاتِ
فَمِنْ يَرابيعَ ومِنْ أَنْعُمٍ إلى دِيوكٍ وعِظاياتِ
مَراكِبٌ للجِنِّ يَرْمِي بها فِرْسانُها صَدْرَ المفازاتِ
مِنْ كُلِّ قزْمٍ لا يَمَسُّ الثَّرَى بِرِجْلِهِ الصُّغْرَى المدَلَّاةِ
نَشَّابَةُ القُنْفُذِ مِزْراقُهُ وتُرْسُهُ قَحْفُ السُّلْحُفاةِ
موقف الجن من بني آدم
يصوره الشاعر في مشهد دخوله على العرافة
وَيْحَكَ يا إنسانْ ألْقِ عَصا سِحْرِكْ
ذَعَرْتَ فينا الجانْ فَعُذْنَ بالشيطانِ من شرِّكْ
وَدِدْتُ يا غادرُ لو أنني أطْلَقْتُ ثُعْبانيَ لا يَنْثَني
عَنْكَ فَيُرْدِيكَ وَلكِنَّني أَخْشَى على الثُّعبانِ من غَدْرِكْ
في نابِهِ السُّمُّ كانْ وصارَ في صَدْرِكْ
المصادر :
كتاب: جمهرة أشعار العرب | أبو زيد القرشي
مسرحية: مجنون ليلى | أحمد شوقي
ديوان: عبقر | شفيق معلوف
إعداد وتقديم : علي الميثم
ليست هناك تعليقات